أوَّلاً: يفسّر الورود: أ- بالدّخول في النّار – ب- بالمرور على الصّراط
ج – بالإشراف عليها من بعد – د- برؤيتها في القبر – هـ- بأنَّها في حقّ الكفّار فقط.
ثانياً: وإن منكم إلا واردها: هذا قسم والواو تتضمَّنه، ويفسُّره الحديث الشّريف، «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسّه النّار إلَّا تحلّة القسم» وكأنه يريد هذه الآية: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا). [مريم: 17].
ثالثاً: والورود يأتي بمعنى الدُّخول، وفي الحديث، «الورود الدّخول، لا يبقى برٌّ ولا فاجر إلّا دخلها، فتكون على المؤمنين برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم، (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا).[مريم: 72].
رابعاً: والورود المرور على الصراط، ويشهد لذلك قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ). [الأنبياء: 101]. وفي صحيح مسلم: «ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللهُمَّ سَلِّمْ، سَلِّمْ ” قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْجِسْرُ؟ قَالَ: ” دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ، وَكَالْبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وَكَالطَّيْرِ، وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ،».
خامساً: ورود: إشراف واطَّلاع وقرب بحضورهم موضع الحساب، وهو بقرب جهنم، فيرونها وينظرون إليها، ثم ينجي الله الذين اتقوا مما نظروا إليه، قال تعالى في قصة موسى عليه السلام: (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ). [القصص: 23]؛ أي: أشرف واطلع على ماء مدين ولم يدخل الماء، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَرْجُو أَلَّا يَدْخُلَ النَّارَ أَحَدٌ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، وَالْحُدَيْبِيَةَ» ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: 71] ، قَالَ: ” أَلَمْ تَسْمَعِيهِ يَقُولُ: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا، وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 72] ”
سادساً: وقال بعض المفسرين: الورود: النظر إليها في القبر، وفي الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما: «إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي».
سابعاً: وقيل: هذا خطاب للكفار، لأن منكم تعود على ضمير الغيبة في الآيات قبلها وهي: (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلا
يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (67) فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا. [مريم: 66 – 71]، وهذا كقوله تعالى: (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (21) إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً [الإنسان: 21 – 22]، فرجعت الكاف في لكم إلى الهاء في وسقاهم.
ثامناً: أطفال المسلمين بالجنة، لقوله صلى الله عليه وسلّم: «من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث (الحلم) كانوا له حجاباً من النار» أو دخل الجنة؛ أي: كان موتهم له حجاباً من النار، لأن الرحمة إذا نزلت بآبائهم استحال أن يرحموا من أجل من ليس بمرحوم. وأما أطفال الكفار فجمهور العلماء على أنهم في الجنة.
تاسعاً: (كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا). [مريم: 71]، والحتم: إيجاب القضاء، أي: كان ذلك حتماً مقضياً، أي: قضاه الله عليكم.
عاشراً: ثم ننجي الذين اتقوا، نخلصهم ونذر نترك الظالمين فيها جثياً، وقوله تعالى هذا يرجح أن الورود هو الدخول فيها، فتكون على المؤمنين برداً وسلاماً ويبقى الكافرون بها.
والحمد لله رب العالمين.