– بداية يجب أن يعلم المتتبّع لأحوال الأمة المسلمة أنَّ مدى تميز جماعة “محمود أفندي” دون غيرها بعدة خصائص وميزات في المجتمع التركي الملتزم المحب للدين والحريص على التمسك به هو الأمر الّذي يدفعك لتتعرّف على هذه الجماعة عن قرب، والتّحدث إلى مريديها ومعلميها، لفهم أهدافها ورسالتها وطبيعة تكوينها، إلى جانب البحث عن تاريخها في الأرشيف منذ بداية أنشطتها الدعوية حتى يومنا هذا، والتَّقصِّي بشكل أكبر عن الرجل الذي استطاع أن يقلب شكل وجوهر حياة الملايين من الناس في تركيا وخارجها، ففي تركيا تجد مناطق بأكملها بالزي الإسلامي وبتعاليم خاصة يتم تنفيذها بشكل متشابه ومتناغم، لذلك يمكن القول:
إنها جماعة دينية، تسعى لتعلم الدين وتعليمه من منبعيه ومصدريه القرآن والسنة، كما أنها تتمسك بنسبها للعثمانيين وتفتخر بها.
– الشّيخ والتعليم:
– نشأ الشيخ محمود أفندي نشأة متدينة، حفظ القرآن الكريم وهو في السادسة، وتلقى علوم اللغة العربية والنحو والصرف واللغة الفارسية على يد الشيخ تسبيحي زاده، ثم درس القراءات وعلوم القرآن على يد الشيخ محمد رشيد عاشق كوتلو أفندي، ودرس علم الكلام والتفسير والحديث والبلاغة والفقه وأصوله، وغيرها من العلوم الشرعية عند الشيخ دورسون فوزي أفندي (المدرس بالمدرسة السليمانية) الذي أجازه في العلوم النقلية والعقلية وهو في سن ال ـ16 من عمره.
تجربته الدعوية وتوجهه الفكري:
– صوفي التوجه، نقشبندي الطريقة، حنفي المذهب والفقه، أخذ عن أحمد أفندي مابسيوني شيخ الطريقة النقشبندية الكمشنماونية، حيث كان يقرأ ويدرس على يديه حتى جاء موعد أداء خدمته العسكرية، ليكون على موعد مع شيخ جديد يكمل معه مسيرته العلمية، فقد كانت مرحلة الخدمة العسكرية سبباً جديداًلفتح صفحة مشرقة من حياته، فقد حدث فيها اللقاء الأول مع شيخه ومرشده علي حيدر الأخسخوي الذي تعلم منه الكثير ونهل من علمه الغزير.
أمَّ الشيخ محمود أفندي الناس في الصلاة ودرَّس الطلاب في مسجد قريته، وخصص 3 أسابيع سنوياً يطوف فيها أرجاء تركيا لتعليم الناس ودعوتهم، وقام بعدة جولات دعوية وتعليمية في عدة دول، منها ألمانيا والولايات المتحدة، وعيّن بعد ذلك إماماً لمسجد إسماعيل آغا في إسطنبول عام 1954 وظل فيه حتى أحيل إلى التقاعد عام 1996، وكان يقوم بالتدريس والوعظ في إسطنبول، ويجذب الكثير من الطلاب والمريدين، ونتيجة لذلك فقد قام منهجه على الدعوة إلى الله والإرشاد والتبليغ لجميع فئات المجتمع بمن فيهم مسؤولو الدولة بطريقة سلسة وبشكل يبين لهم الحق من الباطل، وقبل وقوع الانقلاب الثاني في 12 سبتمبر/أيلول 1980، وأثناء الصراع الواقع بين أحزاب اليمين واليسار خلال فترات الفوضى الأمنية في البلاد في بداية الثمانينيات كان ينادي ويقول “إن واجبنا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجبنا هو إحياء الناس وليس قتلهم”.
صراعه مع العسكر والعلمانية:
لكثرة تأثيره على الجمهور التركي تعرض للمضايقات من قبل جنرالات العسكر والجمهوريين (حزب الشعب الجمهوري)، خاصة بعد انقلاب 1960 ودخول البلاد حالة الطوارئ، وحكمت عليه الإدارة العسكرية بالنفي إلى مدينة إسكي شهير (وسط تركيا)، لكن القرار لم يطبق، وكان مفتي إسطنبول وقتها صلاح الدين قايا في مقدمة المدافعين عنه، وفي سنة 1982 اتُهم محمود أفندي بالضلوع في اغتيال مفتي منطقة أسكودار الشيخ حسن علي أونال، وبعد سنتين ونصف حكمت المحكمة ببراءته من التهمة، وفي عام 1985 أحيل إلى محكمة أمن الدولة بسبب خطبة ألقاها بحجة أن خطبه ودروسه تهدد مبدأ علمانية الدولة، لكن المحكمة قضت ببراءته.
في عام 1998 تم قتل صهره الشيخ خضر علي مراد أوغلو غدرا في مسجده “إسماعيل آغا”، وفي عام 2006 قُتل الشيخ بيرم علي أوزتورك (من أكبر طلاب الشيخ وصهره ومعيد درسه) وهو يلقي درسه على كرسي الوعظ والإرشاد في جامع “إسماعيل آغا” أيضا، وفي عام 2007 بقرب مكان إقامته الجديدة في حي تشاووش باشا بإسطنبول أطلق على سيارة الشيخ محمود أفندي الرصاص وعلى المستشفى الذي كان فيه يتلقى العلاج، في محاولة لاغتياله لكنه لم يصب بأذى.
حجم تأثيره وعدد مريديه:
في عام 2005 حدثت واقعة مثيرة وعجيبة في الأراضي المباركة بالحرم المكي تحدثت عنها الصحافة التركية والعالمية، ففي يونيو/حزيران من هذا العام حدث أمر غريب في المسجد الحرام بمكة المكرمة لم يقع مثله منذ عدة قرون، حيث دخل الشيخ محمود أفندي إلى ساحة الطواف لأداء العمرة ومعه 30 ألف مريد يملؤون ساحة الطواف وكلهم يلبون ويدعون الله بصوت واحد.
وفي وقت كان من النادر أن ترى فيه قارئاً للقرآن بالأحرف العربية وفي مدة زمنية تراوحت بين 40 و50 عاما، وعلى الرغم من كونها فترة قصيرة فإنها كانت كفيلة بتخريج آلاف من الحفاظ والمعلمين الرجال والنساء وتدريب عشرات الآلاف من الطلبة ونشر الوعي الإسلامي لدى الملايين في جميع أنحاء تركيا.