الاستثمار لغة: طلب الحصول على الثمرة، وثمرة الشيء ما تولد عنه، والاستثمار اصطلاحاً: تنمية المال بسائر الطرق المشروعة، واستثمار الأوقاف: إحداث النماء والزيادة بكل سبيل مشروع من الربح والغلة والفائدة والكسب وذلك باستغلالها في وجوه الاستثمار المتعددة.
أولاً: الوقف والاستثمار:
إن جوهر الوقف، ومقصده الأساسي، هو استمرار المنفعة والثمرة والغلة، كما جاء في الحديث الشريف: ” حبّس الأصل وسبّل الثمرة “، لأن من خصائص الوقف تأبيد الانتفاع به، واستمراره إلى المستقبل، فالأصل فيه الاستمرار في العطاء والنفع، وإنما حبس الوقف من أجل استغلاله مع المحافظة على الأصول.
وهذا الحديث يوجب أمرين أساسيين، وهما ركيزتا الاستثمار، وهما، حفظ الأصل، واستمرار الثمرة، للارتباط الوثيق بينهما، فلا يمكن الانتفاع واستمرار الثمرة والمنفعة إلا مع بقاء الأصل وحفظه وديمومته، وإن وجود الأصل بشكل صحيح يؤدي حتماً إلى جني الثمار والمنافع، وهذا ما أكده الفقهاء رحمهم الله تعالى، كما سنفصله، فالاستثمار هو إضافة أرباح إلى رأس المال، لتكون المنفعة من الربح فقط مع الحفاظ على رأس المال وقد يضاف إليه بعض الربح للمستقبل.
فالعلاقة بين الوقف والاستثمار علاقة أساسية ومتينة، والاستثمار يشمل أصول الأوقاف، وبدل الوقف، وريع الوقف وغلته.
وهذه هي الحكمة من مشروعية الوقف التي بيّنها العلامة الدهلوي، فقال: ” ومن التبرعات الوقف، وكان أهل الجاهلية لا يعرفونه، فاستنبطه النبي r لمصالح لا توجد في سائر الصدقات، فإن الإنسان ربما يصرف في سبيل الله مالاً كثيراً، ثم يفنى، فيحتاج أولئك الفقراء تارة أخرى، ويجيء أقوام آخرون من الفقراء فيبقون محرومين، فلا أحسن ولا أنفع للعامة من أن يكون شيء حَبْساً للفقراء وأبناء السبيل [وسائر وجوه الخير] تصرف عليهم منافعه، ويبقى أصله على ملك الواقف [وهذا على رأي الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى] وهو قوله r لعمر t: ” إن شئت حبّست أصلها، وتصدقت بها ” فتصدق بها عمر أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث([1])، إلى آخر كلامه([2]).
وإن استثمار الوقف لاستمرار الريع يتفق مع أصل مشروعية الوقف، ويحقق أهدافه وغاياته في صرف الريع إلى الموقوف عليهم، مع ضرورة الاستمرار والبقاء للمستقبل.
وهذا يوجب البحث الاقتصادي في أموال الأوقاف واستثمارها في أحسن السبل المضمونة، والتي تعطي أعلى دخل للريع، وتوجب منع تعطيلها المؤدي إلى فقدان مبرر وجودها.
وإن الهدف الاقتصادي المباشر لاستثمار أموال الأوقاف هو تأمين الدخل المرتفع بقدر الإمكان لصرفه في مواطنه المحددة، دون التهاون في الأصل والعين الموقوفة، وهذا يوجب أيضاً التوسع في الاستغلال وإعادة الاستثمار.
وينتج أن القصد من استثمار الموقوف هو استغلاله واستعماله بطريقة تدر ريعاً إضافياً يستفيد منه الوقف والموقوف عليه، وذلك بحسب العين الموقوفة، فقد تكون مما لا يجوز استثماره كالمسجد، والمقبرة، والآلات والأواني المخصصة للاستعمال، وقد يكون مما لا يمكن استثماره لنص الواقف كالمستشفى التي يعالج بها مجاناً، وقد يكون الاستثمار حتمياً في النقود عند من أجاز وقفها، والتي توسعت في عصرنا الحاضر، فيكون استثمارها بالمضاربة أو التجارة بالمرابحة، ومثلها الأسهم وصكوك الاستثمار الإسلامية، وقد يكون الموقوف لا ينتفع به إلا باستثماره والاستفادة من ريعه الثابت كالعقارات التي تؤجر، فيكون استثمارها بالإجارة، أو المساقاة للأراضي الزراعية، والإدارة للمصانع.
وإن الوقف بحد ذاته هو استثمار لتنمية الموارد لتغطية الجهات الموقوف عليها كالمساجد، ودور العلم، والفقراء؛ لأن الوقف تحبيس للأصل، وتسبيل للمنفعة، والمنفعة بحد ذاتها هي الاستثمار، أو نتيجة الاستثمار، لأن المنفعة الناجمة عن العين المحبوسة لا تكون إلا عن طريق الاستثمار والجهد فيه، لأن الاستثمار يقوم على ركنين: المال الأصلي، والجهد المبذول فيه، وكل ذلك يرجع إلى تحقيق المصلحة الراجحة التي يتوجب على الناظر أو القاضي أو مؤسسة الوقف أن يقوم بها، وقياساً على وجوب استثمار أموال اليتامى، للشبه الكبير بين الأمرين في الحفاظ عليها، والحرص على تنميتها واستثمارها، وخاصة أن حاجات الموقوف عليهم تتزايد مع تزايد السكان، مما يقتضي أن يواكبه تزايد مماثل على الأقل في تنمية موارد الوقف وغلته.
والهدف من الاستثمار عامة هو الحفاظ على تنمية المال وزيادته، والحفاظ على ديمومة تداول المال وتقلبه، وتحقيق الرفاهية للجميع، وتحريك الأموال فيما يعود بالنفع على الأفراد والمجتمع والأمة.
([2]) حجة الله البالغة 2/944 تحقيق الدكتور عثمان ضميرية، وانظر: مجلة المستثمرون العدد 30 ص92، استثمار أموال الوقف، شعيب ص3، استثمار أموال الوقف، العمار ص71، 73، 89، استثمار أموال الوقف، السلامي ص3.