تنتظم تحت هذه الحكمة أمور أربعة، تتجسّد من خلالها الحكمة من النزول منجّماً، وأنّه كان الحسم في أيِّ مسألة شائكة قد وقعت، أو سؤال محرج قد طرح على النّحو الآتي:
1 – كان ينزل القرآن الكريم ليجيب السّائلين لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم امتحاناً وإحراجاً، فيكبت الممتحنين له، ويثبَّته على رسالته.
ومثال ذلك، قوله تعالى: (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً). الإسراء/ 85/.
أو ليجيب على سؤال بغرض التنوّر، ومعرفة حكم الله تعالى، وهؤلاء هم المؤمنون، ومريدو الحقّ.
ومثاله، قوله تعالى: (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) البقرة/ 220/.
ونوعية هذا التنزّل، تساهم بفاعلية كبيرة، لتأسيس هذا الدِّين في القلوب، ورسم الخطوط العريضة لنهجه، حتَّى يسير النَّاس عليه علماً وعملاً.
2 – كان نزوله مفرّقاً ليجاري الأقضية، والوقائع، ومثاله، قوله تعالى: ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ). المجادلة/ 1 – 3/، فتأمّل: ثلاث آيات لحلّ قضية امرأة، ظاهر منها زوجها، كادت أن تضيع، فنزل حلٌّ إسلاميٌّ قد حفظها، وأدّب زوجها.
3 – إيقاظ المسلمين إلى أخطائهم، وتصحيحها، وإرشادهم إلى شاكلة الصَّواب، ومثاله، قوله تعالى: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ). التوبة/ 25/، فقد لقّنت الآية هذه المسلمين درساً لا ينسى، وأثابتهم إلى جادَّة العقيدة الصَّحيحة.
4 – مطاردة الأعداء، وكشف مؤامراتهم، خطوة بخطوة، مما ساعد على تثبيت أركان الإسلام، وتمتين بنائه، ومثاله، قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ). البقرة/ 207/، وهنا كانت فضيحة المنافقين.
وهناك حكم أخرى لم يتّسع المكان لها فتركتها، وأثبتّ ما يهمُّنا، وما يسهم في تنشئة جيل واعد مؤمن، والحمد لله ربّ العالمين.