– قال الإمام الشّافعى رحمه الله تعالى، في سياق كلامه البديع عن بيان السّنّة، في كتابه القيّم الفريد (الرسالة ص213): (ورسول الله عربيّ اللّسان والدّار).
– هذه العبارة جليلة القدر في العلم، كعادة عبارات الإمام الشّافعي الذّهبيّة، تجدها مختصرة في مبناها، لكنّها عميقة في مغزاها، فهذه العبارة تعدّ قاعدة عريقة في فهم السّنن، أسّس عليها الشّافعي رحمه الله تعالى بحثه في “وجوه البيان في السنة والجمع بين مختلفها” كما أسس من قبل “وجوه البيان في القرآن الكريم” على قاعدة أن القرآن نزل بلغة العرب إفراداً وتركيباً، وكلها يجمعها أن الشريعة عربية في أساليبها ومفرداتها وتراكيبها، فمن أراد أن يفهم نصوص الكتاب والسنة على التحقيق فليفهمها وفق لغة العرب في أسلوبها في الإيجاز والإطناب والحذف والاختصار وذكر الشيء وإرادة بعضه والتعبير عن الشيء بذكر أهم أوصافه وأن ينطق بالعام ويراد به الخاص وهكذا.
– وقد نبه الإمام الشّافعي رحمه الله على هذا الأصل، وقرّره أيّما تقرير في كتابه (الرّسالة)، وقد بنى على أساليب البيان في لغة العرب قواعد البيان في الشّريعة فيما يرجع بيانه إلى طرائق الكلام ومقاصده وسياقه من جهة الاستعمال العربي كما بنى على ذلك وجوه الجمع بين مختلف السنن.
– فإذا تقرر أننا نجد في لغة العرب ما ذكر من أساليب متنوعة في الإفهام ومقاصد الكلام، فكذا ينبغي أن نفهم نصوص الكتاب والسنة، وفق ما تكلم به العرب، وجرى على ألسنتهم من أساليب البيان، في حال الابتداء أو الجواب أو الاختصار أو الحذف أو السّؤال ونحو ذلك .
– ومن تأمّل جلّ ما خطّه يراع الإمام الشّافعي الميمون في موضوع البيان في الكتاب والسنة يجده يدور على أصلين:
الأول: أن نصوص الوحي جارية وفق معهود لغة العرب في أساليبها ومفرداتها وتراكيبها، فمن فهم ذلك عن العرب بنى عليه البيان في أحكام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فكان فهمه لها فهم العرب لكلامها، وكل كلام بحسبه في اللسان العربي.
والثاني: أن الكتاب والسنة لا يختلفان ألبتة، وأن السنة تابعة للكتاب، ومبينة له، ومتفرعة عنه، ومن جمع النصوص وأحاط بها في باب من أبواب الشريعة استبانت له معاني النصوص، كل بحسب موضعه اللائق به، ووجدها جارية على مثال واحد كما يقول الشّافعي.
فرحم الله الإمام الشافعي رحمة واسعة الذي كان له قصب السبق في تأصيل هذه القواعد الجليلة والأصول العريقة في فهم الشريعة.