🏵كان الشّيخ عبد الكريم الرّفاعي رحمه الله تعالى يقول لطلّابه:
نريد الطّبيب الفقيه، والتّاجر الفقيه، والمهندس الفقيه، وهكذا، ولو دقّقت النّظر قليلاّ فلن ترى في الدّنيا مثل الشّام، وهاك نماذجَ من أرض الشّام.
🏵قدم رجلٌ مريضٌ الشّامَ، وهو يسأل عن طبيب متخصّص، فدلّوه على طبيب اسمه الدّكتور سامر النّص، الحائز على شهادة البورد في أمراض القلب وجراحتها، وعندما دخل العيادة قبل الموعد بمدّة، سمع تلاوة للقرآن الكريم، وكأنّها تلاوة حيّة؛ وليست مسجّلة، فنظر إلى مرافقه متسائلاً، فأجابه بأنّه لا يعلم شيئاً عن مصدر القراءة، وبعد انتهاء المعاينة علم أنَّ الصَّوت هو لطالب يجمع القراءات العشر على الدّكتور في فترة الاستراحة، وعلم أيضاً أنَّ هذا الطّبيب يؤمُّ النَّاس في صلاة التَّراويح في جامع المرابط، ويقرأ ختمة كاملة، وقد أخذ ذلك عن حميّه (والد زوجه) الشّيخ المقرئ المتقن محمد طه سكر.
أرسله الطَّبيب بعد الفحص لإجراء بعض التَّحاليل في مخبر علبي وبزرة، دخل يومها ليرى صاحب المخبر الشّيخ الدّكتور خالد العلبي المقرئ الحافظ الجامع إمام مسجد التوبة يقوم بإجراء التحاليل للمرضى، فتأمّل.
🏵 قال صاحبي: حضرت مرّة حفلاً في جامع الإيمان، لتكريم الطُّلَّاب الَّذين جمعوا القراءات، وإذ بثلاثة من المكرّمين هم الأوائل في كلّيّة الطّب، فتأمّل.
🏵 بل لو دقّقت في العائلات الشّاميّة، لوجدت في كلِّ عائلة حافظاً للقرآن الكريم، أو عالماً، أو داعية، بل كثيراً ما ترى حافظاً أوجامعاً للقراءات العشر، أو إماماً وخطيباً وداعية؛ وهو طبيب، أو صيدلي، أو مهندس أو محام أو قاض، أو بائع لحم وخضار أو نجارأً، أو بائعأً يأكل من كسب يده، ويتقوَّت من عمله وعرق جبينه.
🏵كان ابن أبي أصيبعة طبيباً مؤرخاً عالماً، وكان الشيخ علي الطنطاوي الأديب الفقيه قاضياً ورئيس محكمة، وكان الشيخ العلامة أبو اليسر عابدين طبيباً ومفتياً لسوريا، وكان أبو عثمان الدمشقي طبيباً عالماً، وكان شيخ مشايخنا الشيخ صالح فرفور نجاراً، يأكل من كسب يده، وكان تلميذه شيخنا الشيخ عبد الرزاق الحلبي المقرئ الجامع، والعالم العامل شيخ الشام عاملاً في معمل سجاد عند أخواله، وكان ابنه الشيخ العالم الدكتور سالم الحلبي الحاصل على البورد من أمريكا أهم طبيب جراح للأعصاب في سوريا بل والعالم العربي، وكان العلامة شيخنا أديب الكلاس طياناً، وابنه العالم الفاضل والمهندس الكهربائي الفقيه الداعية أحمد الكلاس، وكان إمام المسجد الأموي الكبير الشيخ نزار الخطيب بائع قماش في سوق الحرير، بجوار المسجد الجامع يخرج من الدكان ليؤمَّ ويخطب الناس في مسجد بني أمية الكبي، ثم يعود إلى دكّانه.
وكذا كان الشيخ محمد سكر بائع قماش، وكان من طلابه الدكتور سامر النص، والدكتور أحمد تقي، والدكتور عادل أبو شعر، والدكتور خالد العلبي، وكثيرون، وكان الشيخ خليل هبة كذلك،
والشيخ أحمد هبة، أعظم شيوخ الإقراء في دمشق، وكثرة كاثرة رحمهم الله تعالى.
🏵وكذا كان شيخ مشايخنا الشيخ أبو الحسن الكردي رحمه الله تعالى جزَّار بقر، وكان مع ذلك حافظاً جامعاً، أخذ عنه أكابر القراء اليوم منهم الدكتور أيمن رشدي سويد، والدكتور أيمن دعدع، والدكتور حمامي، والزعبي، وكرزون، والطباع، وبركات، وغيرهم.
🏵كان معظم طلابهم وتلاميذهم أصحاب شهادات علمية، واختصاصات دنيويَّة، وأعمال تجارية، لذلك كانوا أعزَّة، كلمتُهم من رأسهم، لهم منزلة عند النَّاس ومحبة وإجلال، لتعظيمهم ما بينهم وبين الله تعالى.
🏵هؤلاء كلّهم ممّن عاصرناهم وقرأنا عليهم ورشفنا من علمهم، وكانوا كما كان أئمة التّاريخ الغابر. – يتبع الجزء 2.