قَالَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ، وَهُوَ الْحَقُّ الْيَقِينُ: { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا {5} إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا {6 } [الشَّرْح: 5-6] .
هَذه آيات مُفْصِحَةٌ بإِذكَارِ اللهِ عز وَجل؛ رَسُولَه عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَام بمنَّته عَلَيْهِ، فِي شرح صَدره بعد الْغمّ والضّيق، وَوضع وزره عَنهُ، وَهُوَ الْإِثْم، بعد إنقاض الظَّهْر، وَهُوَ الإثقال، أَي؛ أثقله فنقض الْعِظَام، كَمَا ينْتَقضُ الْبَيْتُ إِذا ثَقُلَ فمالَ للوقوع، وَرفع جلّ جَلَاله ذِكرَهُ، بعد أَن لم يكن، بِحَيْثُ جعلهُ الله مَذْكُورا مَعَه، والبشارةِ لَهُ، فِي نَفسه عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَام، وَفِي أمته، بِأَنَّ مَعَ الْعسر الْوَاحِد يُسرين، إِذا رَغِبُوا إِلَى الله تَعَالَى رَبَّهم، وَأَخْلصُوا لَهُ طاعاتِهم ونيَّاتِهم.
وَرُوِيَ عَن عبد الله بن عَبَّاس رضي الله عنه، أَنه قَالَ: (لَا يغلب الْعسرُ الْوَاحِدُ يسرين، يُرِيد أَنَّ الْعسر الأوّل هُوَ الثَّانِي، وَأَن الْيُسْر الثَّانِي هُوَ غير الأوّل، وَذَلِكَ أَنَّ الْعسر معرفَة، فَإِذا أُعِيد؛ فَالثَّانِي هُوَ الأوَّل، لِأَن الْألفَ وَاللَّامَ لتعريفه، وَيُسر: بِلَا ألف وَلَام نكرة، فَإِذا أُعِيد فَالثَّانِي غير الأوّل، )وَهَذَا كَلَام الْعَرَب( فَإِذا بَدَأَت بِالِاسْمِ النَّكرَة، ثمَّ أَعَادَتْهُ، أَعَادَتهُ معرفَةً بِالْألفِ وَاللَّامِ، أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ: قد جَاءَنِي الرَّجلُ الَّذِي تعرفه، فَأَخْبرنِي الرَّجلُ بِكَذَا وَكَذَا، فَالثَّانِي هُوَ الأوّل، فَإِذا قَالُوا: جَاءَنِي رجلٌ، وَأَخْبرنِي رجلٌ بِكَذَا، وَجَاءَنِي رجلٌ فَأَخْبرنِي رجلٌ بِكَذَا وَكَذَا، فَالثَّانِي غيرُ الأوَّل، وَلَو كَانَ الثَّانِي فِي هَذَا الْموضعِ هُوَ الأوّل لقالوا: فَأَخْبَرَنِي الرَّجل بِكَذَا وبكذا، كَمَا قَالُوا فِي ذَلِك الْموضع.
وَقَالَ تَعَالَى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الْبَقَرَة: 259]، فَأخْبر الله تَعَالَى: أَنَّ الَّذِي مرَّ على قَرْيَة، استَبعَدَ أَن يكْشفَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا وَعَن أَهلهَا الْبلَاءَ، لقَوْله: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الْبَقَرَة: 259] ، فأماتهُ اللهُ مائَةَ عَامٍ ثمَّ بَعثه، فَلَا شدَّة أَشدّ من الْمَوْت والخراب، وَلَا فرج أفرج من الْحَيَاة والعِمارة، فَأعلمهُ الله عزّ وَجلّ، بِمَا فعله بِهِ، أَنّه لَا يجب أَن يستبعد فرجاً من الله وصنعاً، كَمَا عمل بِهِ، وَأَنّه يحيي الْقرْيَة وَأَهْلَهَا كَمَا أَحْيَاهُ، فَأرَاهُ بذلك آيَاته، ومواقعَ صنعه.
وَقَوله: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ {147} فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {148} } [آل عمرَان: 147-148] .
روي عَن الْحسن رحمه الله تعالى أَنه قَالَ: (من لزمَ قِرَاءَةَ هَذِه الْآيَاتِ فِي الشَّدائد، كشفها الله عَنهُ، لِأَنَّهُ قد وعد، وَحكم فِيهِنَّ، بِمَا جعله لمن قالهنَّ، وحُكْمُه لَا يَبطُل، ووعدُهُ لَا يُخلَف).
حفظكم الرّحمن.