كتب الدّكتور المكرّم أحمد محمّد الفاضل حفظه الله تعالى:
غفر الله تعالى له ببيت: يقال إنَّ أبا الحسن التّهاميّ لمّا توفّي، رآه أحدُ النّاس في المنام، فقال له: يا إمام، ماذا فعل بك الله سبحانه وتعالى؟
قال أبو الحسن: غفر لي بقولي في قصيدتي:
جاورت أعدائي وجاور ربّه شتّان بين جواره وجواري
وهذه القصيدة من عيون الشّعر العربيّ في الرّثاء، إذ بكى فيها أبو الحسن التّهاميّ ولدَه، ومطلعها:
1 – حُــكــمُ المنيّة فـي البريّّة جـاري
مـــا هَـــذِهِ الدُنـــيـــا بِــدار قَــرار
2 – بَـيـنـا يَـرى الإِنـسـان فـيـها مُخبِراً
حَــتّــى يُــرى خَــبَــراً مِــنَ الأَخــبــارِ
3 – طُــبِــعَــت عَــلى كــدرٍ وَأَنـتَ تُـريـدُهـا
صَـــفـــواً مِـــنَ الأَقـــذاءِ وَالأَكــدارِ
4 – وَمُـــكَـــلِّف الأَيـــامِ ضِـــدَّ طِــبــاعِهــا
مُـــتَـــطَّلــِب فــي المــاءِ جَــذوة نــارِ
5 – وَإِذا رَجَــوتَ المُــســتَــحــيــل فَـإِنَّمـا
تَــبــنــي الرَجــاءَ عَــلى شَـفـيـرٍ هـارِ
6 – فَــالعَــيــشُ نَــومٌ وَالمَــنِــيَّةـُ يَـقِـظَـةٌ
وَالمَــرءُ بَــيــنَهُــمــا خَــيــالِ ســاري
7 – وَالنَــفــسُ إِن رَضِــيَــت بِـذَلِكَ أَو أَبَـت
مُــــنــــقــــادة بِــــأَزمَّة الأَقـــدارِ
8 – فــاِقــضــوا مــآرِبــكـم عُـجَـالاً إِنَّمـا
أَعـــمـــارُكُــم سِــفــرٌ مِــنَ الأَســفــارِ
9 – وَتَـراكَـضـوا خَـيـلَ الشَـبـابِ وَبـادِروا
إِن تُــــســــتَــــرَدَّ فَــــإِنَّهـــُنَّ عَـــواري
10 – فــالدهـر يَـخـدَع بِـالمـنـي وَيـغُـصُّ إِن
هَـــنّـــا وَيَهــدِمُ مــا بَــنــى بِــبــوارِ
11 – لَيــسَ الزَمــانَ وَإِن حــرصـت مُـسـالِمـاً
خُــــلُق الزَمــــانِ عَـــداوَة الأَحـــرار
12 – إِنّــــي وُتِــــرتُ بِــــصـــارِمٍ ذي رَونَـــقٍ
أَعـــــدَدتَهُ لِطِـــــلابَـــــةِ الأَوتـــــارِ
13 – أَثـــنـــي عَـــلَيـــهِ بِــأثــرِهِ وَلَو أَنَّهُ
لَم يَــغــتَــبِــط أَثــنَــيــتُ بِــالآثــارِ
14 – لَو كــنـت تُـمـنَـعُ خـاض نـحـوكَ فَـتـيـة
مِـــنّـــا بـــحـــار عَـــوامِـــل وَشــفــارِ
15 – وَدَحــوا فُــوَيــقَ الأَرض أَرضـاً مِـن دَمٍ
ثُــمَّ اِنـثَـنـوا فَـبَـنـوا سَـمـاءَ غـبـارِ
16 – قَــومٌ إِذا لَبِـسـوا الدُروعَ حَـسِـبـتَهـا
سُـــحُـــبـــاً مـــزرَّرَة عَــلى الأَقــمــارِ
17 – وَتَــرى ســيــوفَ الدارِعــيــنَ كَــأَنَّهــا
خَــــلج تَـــمُـــدُّ بِهـــا أَكُـــفَّ بِـــحـــارِ
18 – لَو أَشــرَعــوا أَيـمـانِهِـم مِـن طـولِهـا
طَــعَـنـوا بِهـا عـوض القَـنـا الخَـطَّاـرِ
19 – شَوسٌ إِذا عدموا الوَغى انتَجَعوا لَها
فـــي كُـــلِّ أَوبٍ نَـــجـــعَــة الأَمــطّــارِ
20 – جـنـبوا الجِيادَ إِلى المُطيِّ وَراوجوا
بَـــيـــنَ السُــروجِ هُــنــاكَ وَالأَكــوارِ
21 – فَــكَــأَنَّمــا مَــلأوا عِــيــاب دروعـهـم
وَغـــمـــود أَنــصــلهــم سَــراب قِــفــارِ
22 – وَكَـــأَنَّمـــا صَـــنـــع السَــوابِــغ عَــزَّهُ
مــاء الحَــديــد فَــصــاعَ مــاءَ قِــرارِ
23 – زَرَداً فَــأحــكــم كــل مــوصــل حَــلقَــةٍ
بِــجُــبــابَــة فــي مَــوضــع المُــسـمـارِ
24 – فَــتَــدَرَّعــوا بــمــتــون مــاء جــامِــدٍ
وَتَـــقـــنَّعــوا بِــحَــبــاب مــاء جــاري
25 – أســـد ولكـــن يـــؤثـــرونَ بِـــزادِهِـــم
وَالأســد لَيــسَ تــديــن بــالإِيــثــارِ
26 – يَــتَــزَّيَــنُ النــادي بِــحُـسـنِ وُجـوهِهِـم
كَـــتَـــزَيُّنـــِ الهـــالاتِ بــالأَقــمــارِ
27 – يَــتَــعَــطَّفــونَ عَـلى المَـجـاوِر فـيـهِـم
بـــالمـــنــفــســات تــعــطُّفــ الآظــارِ
28 – مِــن كــل مَــن جَـعـلَ الظُـبـى أَنـصـارَهُ
وَكــرُمــنَ فــاِســتَـغـنـى عَـنِ الأَنـصـارِ
29 – وَاللَيــثُ إِن بــارَزتُهُ لَم يَــعــتَــمِــد
إِلّا عَـــلى الأَنـــيـــابِ وَالأَظـــفــارِ
30 – وَإِذا هـوَ اعـتَـقَـلَ القَـنـاة حَـسِـبتُها
صِــــلاً تــــأبَّطــــُهُ هــــزبَــــرٌ ضــــاري
31 – زَرَدُ الدِلاصِ مِــنَ الطِــعــانِ بِــرُمــحِهِ
مِــثــلَ الأَســاوِر فــي يــد الإِســوارِ
32 – وَيَــجُــرُّ حــيــنَ يُــجَــرُّ صَــعــدَةَ رُمــحِهِ
فــي الجَــحــفَــلِ المُـتَـضـائِق الجِـرارِ
33 – مـــا بَـــيــنَ ثَــوبٍ بِــالدمــاءِ مُــلَبَّدٍ
زَلقٍ وَتَــــقَــــع بِـــالطِـــرادِ مـــثـــارِ
34 – وَالهَــون فــي ظِــلِّ الهــوَيـنـا كـامِـنٌ
وَجَــلالَة الأَخــطــارِ فــي الإِخــطــارِ
35 – تـــنـــدى أســـرة وَجـــهِهِ وَيَـــمـــيــنَهُ
فـــي حـــالَةِ الإِعــســارِ والإِيــســارِ
36 – وَيَــمُــدُّ نَــحــوَ المَــكـرُمـاتِ أَنـامِـلاً
لِلرِزقِ فـــي أَثـــنـــائِهِـــنَّ مَـــجـــاري
37 – يَـحـوي المَـعـالي كـاسِـبـاً أَو غـالِباً
أَبــــداً يُــــدارى دونَهــــا وَيُــــداري
38 – قَــد لاحَ فــي لَيــلِ الشَـبـابِ كَـواكِـبٌ
إِن أَمــــهــــلت آلَت إِلى الإِســـفـــارِ
39 – يــا كَــوكَـبـاً مـا كـانَ أَقـصَـرَ عُـمـرَهُ
وَكَـــذاكَ عُـــمــرُ كَــواكِــبِ الأَســحــارِ
40 – وَهـــلال أَيّـــامٍ مَــضــى لَم يَــســتَــدِر
بَـــدراً وَلَم يـــمـــهـــل لِوَقــت سِــرارِ
41 – عَــجِــلَ الخُــســوف عَـلَيـهِ قَـبـلَ أَوانِهِ
فَــمَــحــاهُ قَــبــلَ مَــظَــنَّةــ الإِبــدارِ
42 – واســـــتَـــــلَّ مِــــن أَتــــرابِهِ وَلِداتِهِ
كَــالمُــقــلَةِ اســتَــلَت مِــنَ الأَشـفـارِ
43 – فَــــكَـــأَنَّ قَـــلبـــي قـــبـــره وَكَـــأَنَّهُ
فــــي طَــــيِّهــــِ سِــــرٌّ مِـــنَ الأَســـرارِ
44 – إِن يُــحــتــقــر صِــغَــراً فَــرُبٌ مُــفَــخَّمٍ
يَـــبـــدو ضَـــئيـــل الشَــخــصِ لِلنُّظــّارِ
45 – إِنَّ الكَــواكِــبِ فــي عُــلُوِّ مَــكــانِهــا
لَتُــرى صِــغــاراً وَهــيَ غَــيــرُ صِــغــارِ
46 – ولدُ المُــعَــزّى بَــعــضــه فَــإِذا مَـضـى
بَــعــضُ الفــتــى فَـالكُـلُّ فـي الآثـارِ
47 – أَبــكــيــهِ ثُــمَّ أَقــولُ مُــعــتَــذِراً لَهُ
وُفِّقــــتَ حــــيــــنَ تَـــرَكـــتَ آلامَ دارِ
48 – جــــــاوَرتُ أَعــــــدائي وَجــــــاوَرَ رَبَّهُ
شَــــتّــــان بَـــيـــنَ جِـــوارِهِ وَجِـــواري
49 – أَشــكــو بُــعــادك لي وَأَنــت بَــمَـوضِـعٍ
لولا الرَدى لَسَــمِــعــتَ فــيـهِ سَـراري
50 – وَالشَــرق نَــحــوَ الغَــربِ أَقــرَبُ شُـقـة
مِــن بُــعــدِ تِـلكَ الخَـمـسَـةِ الأَشـبـارِ
51 – هَــيــهـات قَـد عـلقـتـك أَشـراك الرَدى
واعــتــاقَ عُــمــرَكَ عــائِق الأَعــمــارِ
52 – وَلَقَــد جَــرَيــتَ كَــمــا جـريـتُ لِغـايَـةٍ
فــبــلغــتــهـا وَأَبـوكَ فـي المِـضـمـارِ
53 – فَــإِذا نَــطَــقــتُ فَـأَنـت أَوَل مَـنـطِـقـي
وَإِذا ســـكـــت فَــأَنــتَ فــي إِضــمــاري
54 – أَخــفـي مِـنَ البُـرَحـاء نـاراً مِـثـلَمـا
يَــخــفـى مِـنَ النـارِ الزِنـادَ الواري
55 – وَأُخَـــفِّضـــُ الزَفـــرات وَهـــيَ صَــواعِــدٌ
وَأُكَــفــكِــفُ العَــبــرات وَهــيَ جَــواري
56 – وَشِهـــابُ زَنـــدِ الحُــزنِ إِن طــاوَعــتُهُ
وَآرٍ وَإِن عــــاصَــــيــــتَهُ مُــــتَــــواري
57 – وَأَكُــــفُّ نـــيـــران الأَســـى وَلَرُبَّمـــا
غــلب التَــصَــبُّر فــارتَــمَــت بِــشَــرارِ
58 – ثَــوب الرِيــاء يَــشِــفُّ عَـن مـا تَـحـتَهُ
فَــإِذا التــحــفــت بِهِ فَــإِنَّكــَ عــاري
59 – ــصُـرت جُـفـونـي أَم تَـبـاعَـد بَـيـنَهـا
أَم صُـــوِّرت عَـــيـــنـــي بِــلا أَشــفــارِ
60 – جَـــفَـــت الكَــرى حَــتّــى كَــأَنَّ غــراره
عِــنــدَ اِغــتِــمــاضِ العَـيـنَ حـد غِـرارِ
61 – وَلَو اِســـتَـــزارَت رقـــدة لَدَجـــابِهــا
مــا بَــيــنَ أَجــفــانــي إِلى التَـيّـارِ
62 – أُحَـيـي لَيـالي التَـمِّ وَهـيَ تُـمـيـتُـنـي
وَيُــــمـــيـــتُهُـــنَّ تـــبـــلج الأَنـــوارِ
63 – حَــتّــى رَأَيــتُ الصُــبــحَ يَــرفَــعُ كـفـه
بِــالضــوءِ رَفــرَف خــيــمَــة كــالقــارِ
64 – وَالصُــبــحُ قَــد غــمـر النُـجـوم كَـأَنَّهُ
ســيــل طَــغــى فَــطــمــى عَـلى النَـوارِ
65 – وَتــلهُّب الأَحــشــاء شَــيَّب مــفـرقـي
هَــذا الضِــيــاء شَــواظ تِــلكَ النــارِ
66 – شـــابَ القـــذال وَكُـــلُّ غُـــصــنٍ صــائِرٍ
فــيــنــانــه الأَحــوى إِلى الإِزهــارِ
67 – وَالشِــبـه مُـنـجَـذِبٌ فَـلِم بَـيـضُ الدُمـى
عَـــن بَـــيــضِ مــفــرقــه ذَوات نِــفــارِ
68 – وَتَـــوَدُّ لَو جـــعــلت ســواد قُــلوبِهــا
وَســواد أَعــيُــنــهــا خِــضــاب عِــذاري
69 – لا تَـنـفِـر الظَـبَـيـاتُ عَـنـه فَقَد رأت
كَـيـفَ اخـتِـلاف النَـبـت فـي الأَطـوارِ
70 – شَـــيـــئانِ يَــنــقَــشِــعــانِ أَوَّل وَهــلَةٍ
ظِــــلُّ الشَــــبــــابِ وَخِـــلَّةُ الأَشـــرارِ
71 – لا حَـــبَّذا الشـــيــب الوَفــيُّ وَحَــبَّذا
شَـــرخ الشَـــبـــابِ الخـــائِنِ الغَــدّارِ
72 – وَطــري مِـنَ الدُنـيـا الشَـبـاب وَروقـه
فَـإِذا اِنـقَـضـى فَـقَـد انـقَـضَت أَوطاري
73 – قــصــرت مَــســافَــتــه وَمــا حَــسَـنـاتُهُ
عِـــــنـــــدي وَلا آلاؤُهُ بِــــقِــــصــــارِ
74 – نَــزدادُ هَــمّــاً كُــلَمّـا اِزدَدنـا غِـنَـىً
وَالفَــقــرُ كُـلَّ الفَـقـرِ فـي الإِكـثـارِ
75 – مــا زادَ فَــوق الزادِ خُــلِّف ضــائِعــاً
فــــــي حـــــادِثٍ أَو وارِث أَو عـــــاري
76 – إِنّـــي لأَرحَـــم حـــاسِـــديَّ لِحَـــرِ مـــا
ضَــــمَّت صُـــدورُهُـــم مِـــنَ الأَوغـــارِ
77 – نَـظَـروا صَـنـيـعَ اللَهِ بـي فَـعُـيـونُهُـم
فـــي جَـــنَّة وَقُـــلوبــهــم فــي نــارِ
78 – لا ذَنــبَ لي كَـم رمـت كـتـم فَـضـائِلي
فَـــكَـــأَنَّمــا بــرقــعــت وَجــه نَهــاري
79 – وَســتــرتــهــا بِــتَــواضـعـي فَـتـطـلَّعـت
أَعــنــاقــهــا تَــعـلو عَـلى الأَسـتـارِ
80 – وَمِـــنَ الرِجـــال مَــعــالِم وَمَــجــاهِــل
وَمِــــنَ النُــــجــــومِ غَـــوامِـــض وَداري
81 – وَالنــاسُ مُــشــتَــبِهـونَ فـي إِيـرادِهِـم
وَتَــبــايــن الأَقــوامِ فــي الإِصــدارِ
82 – عَــمــري لَقَــد أَوطـأتُهُـم طُـرق العُـلى
فَــعَــمــوا وَلَم يَــقَـعـوا عَـلى آثـاري
83 – لَو أَبـصَـروا بِـقُـلوبِهِـم لاسـتَـبـصَروا
وَعـمـى البَـصـائِرِ مَـن عَـمـى الأَبـصارِ
84 – هَـلّا سَـعـوا سَـعـيَ الكِـرامِ فَـأَدرَكـوا
أَو سَــــلَّمـــوا لِمَـــواقِـــعِ الأَقـــدارِ
85 – ذهــب التَــكــرم وَالوَفـاء مِـنَ الوَرى
وَتــــصــــرَّمـــا إِلّا مِـــنَ الأَشـــعـــارِ
86 – وَفَــشَــت خِـيـانـات الثِـقـاتِ وَغـيـرهـم
حَــتّــى أتَّهــمــنــا رُؤيــة الأَبــصــار
87 – وَلَرُبَّمــا اعــتَــضـد الحَـليـم بِـجـاهِـلٍ
لا خَــيــر فــي يُـمـنـي بِـغَـيـرِ يَـسـارِ
88 – لِلَّهِ دُرُّ النـــــائِبـــــاتِ فَـــــإِنَّهـــــا
صَـــدأُ اللِئامِ وَصـــيـــقـــل الأَحــرارِ
89 – هَــل كــنــت إِلّا زَبــرَةً فَــطَــبَـعـنَـنـي
سَـــيـــفــاً وَأطــلق صــرفــهــن غــراري
90 – زَمــن كــأمِّ الكــلب تــر أُم جــروهــا
وَتــصــد عَــن ولد الهــزبــر الضــاري
التحرير : م.ش.ح