باسم الفتّاح العليم
يقول العلماء و المفكّرون: إنّ لكلّ فعل ٍ من الأفعال في مقام الوجود ردّا ً منعكساً عنه انعكاساً شرطيَّاً لازماً، فإذا ما كان هذا الفعل صحيحاً، فإنّ الرّدّ عليه أو عنه سيكون صحيحاً، و إذا كان الفعل نفسه خطأً، فإنّ الرّد المنعكس عنه سيكون خطأً بالطّبع و اللّزوم.
إلّا أنّ السّؤال الّذي يطرح نفسه بنفسه هو: أنّ أمّة المسلمين نامت نوماً عميقاً على جميع الأصعدة، على صعيد السّياسة والاجتماع والعلم والفكر، وما إلى ذلك، إلى أن أصبح المسلمون على وجه التّقريب جسداً بلا روح، بسبب نومهم وتقصيرهم.
ثمّ بعد ذلك يردّ ساحة وجودهم فعلٌ مسيءٌ لشخص نبيِّنا عليه الصّلاة و السّلام من قبل المسيئين، فتثور ثائرة المسلمين، ويعمّ الغضب والحنق جميع المسلمين في كلّ مكان.
ثم بعد ذلك ماذا؟ هل ارتدع الدّنمارك عن هذه الإساءات المتتالية؟! هل أقلعوا عن خطئهم، وثابوا إلى رشدهم إن كان لهم رشد؟!
وهل القضيّة عندهم كحاقدين؟! أو عندنا -نحن المسلمين النّائمين-؟! وإذا نظرنا في فعلهم وردِّ فعلنا عليهم، فهل هناك تقابل صحيح بين الفعل وردِّ الفعل؟!
لا أحدَ من خلق الله تعالى يرى أنَّ فعلَهم صحيحٌ، بل هو خطأٌ وباطلٌ، ولا شكّ في ذلك. إلّا أنّنا نحن كمسلمين، هل يكون دورنا دائماً في أن نجيب المخطئ على خطئه، بردِّ فعلٍ وما إلى ذلكم.
ولو أنَّنا بقينا على هذه الحال من باب الفَرَض؛ إذاً: فإنَّ دور المسلمين ينحصر في أن يكون أفقاً لغيرهم، وتبعاً لأفعال غيرهم من خطأ و صواب.!
إنَّ هناك فرقاً كبيراً بين الفعل و الانفعال، خلاصته تعني: أنَّ التّأثير بالطّرف الآخر يكون دائماً من جهة الفعل، والمؤثَّر به يتجلّى بصورة الانفعال لذلك الفعل، والمنطق والفكر يقولان لنا: التّبعيَّة دائماً لا تكون إلا من قبل الانفعال للفعل، فالانفعال تابع للفعل دائماً وأبداً، و المسيِّر للانفعال هو الفعل.
والّذي أراه و يراه جميع العقلاء والمفكّرين معي؛ أنَّ تكرَّرَ أفعالِ الدّنمارك في الإساءة لشخص النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم ليس إلَّا لوناً من ألوان الاستهزاء بأمّة النّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، الَّذي سيبقى بهذه الصّورة غير قابل للقمع و الكبح، وذلك بسبب ضعف المسلمين، وإنّ استمرارَ ردودِ الأفعالِ عند المسلمين ليسَ إلَّا وجهاً من وجوهِ الاستهزاءِ بهم أنفسِهم، على أنَّ هذا الاستنكار لا بدَّ منه.
والمخلص الوحيد أن يتأدَّب المسلمون أنفسُهم مع الله تعالى أوَّلاً، ثمَّ مع نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم ثانياً، أدبا ً قلبيَّاً وفعليَّاً، حتَّى إذا ما أصبحت لغةُ الأفعال عندهم سائدةً؛ لا يمكن لجهة في الدُّنيا أن تفكّر بالإساءة لنبيِّنا عليه الصَّلاة و السَّلام، وذلك لأنَّ لغة الأفعال هي اللُّغة المؤثِّرة المخيفة.
أمَّا ردود الأفعال، فمن خصائصها أن تكون عرضاً، والعرض زائل، أمَّا الأفعال فهي الأصول و الثَّوابت والمسلمون بالذّات هم أمّة الأصول و الثّوابت، ولولا ذلك لما بقي الإسلام إلى هذه اللَّحظة، وإلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها ثابتاً غير متغيّر.
الأفعال أيّها الإخوة: هي اللّغة الّتي يفهم بها أعداء الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، لذلك كان جواب الخليفة السّلطان هارون الرّشيد لامبراطور روما أن قال له عندما نقض المعاهدة مع المسلمين: (الجواب ما سترى لا ما ستقرأ) ومن هنا يتَّضح لدينا صدق الشَّاعر إذ يقول:
السَّيف أصدق إنباءً من الكتب في حدِّه الحدّ بين الجدِّ و اللَّعب
فهل عقل المسلمون بعد هذا كلِّه الفرق بين لغة الأفعال وردودها؟!
بقلم : د. شهاب الدّين فرفور