إنّ الشّبهة الّتي تقول:(بأنّ القرآن الكريم لو كان من عند لله تعالى لنزل دفعة واحدة، فلمَّا كان النُّزول تنجيماً، دلَّ على أنَّه من عند غير الله تعالى) هي شبهةٌ باطلةٌ، وبطلانُها من وجهين:
1) الكتب السّابقة لم تنزل جملة واحدة.
2) هناك أسباب لنزول القرآن الكريم منجَّماً: فتنزيل القرآن الكريم منجَّماً حسب الوقائع والأحداث، ليكون أثبت لقلب للنَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وأدعى إلى تقوية حفظه وفهمه، وكذلك ليكون أيسر على العامل به، فلو أخذ المسلمون بجميع الفرائض مرَّة واحدة لنفروا، كذلك نزول القرآن منجَّماً، فيه مطابقة لمقتضى الحال، ومناسبة للمقام، وبيان إعجازه، وكذلك تلقين النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم الحجّة، كلَّما فتحوا له باباً من الجدل.
وتفصيل هذا :
أوّلاً: الكتب السَّابقة لم تنزل جملةً واحدة:
– هذه الشبهة من معاذير المشركين، وتعليلاتهم الفاسدة؛ إذ طعنوا في القرآن الكريم بأنَّه نزل منجَّماً وقالوا: لو كان من عند الله تعالى؛ لنزل كتاباً جملة واحدة، وهذا القول ظاهر في أنَّه عائد إلى المشركين، وهذه جهالة منهم بنسبة كتب الرسل، فإنَّها لم تنزل جملة واحدة، وإنَّما كانت وحياً مفرَّقاً، فالتّوراة الَّتي أنزلت على موسى عليه السَّلام في الألواح هي عشر كلمات بمقدار سورة اللّيل في القرآن، وما كان الإنجيل قبل تحريفه إلّا أقوالاً ينطق بها عيسى عليه السلام في الملأ، وكذلك الزّبور نزل قطعاً كثيرة، فالمشركون نسوا ذلك أو جهلوا، فقالوا: هلّا نزل القرآن على محمَّد جملة واحدة؛ فنعلمَ أنّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقيل: قائلُ هذا اليهود أو النّصارى، فإن صحَّ ذلك فهو بهتان منهم؛ لأنَّهم يعلمون أنَّه لم تنزل التّوراة والإنجيل والزّبور إلّا مفرّقة، فإنَّ تلك الكتب لم تنزل أسفاراً تامّة قطّ.
ثانياً: هناك أسباب لنزول القرآن الكريم منجَّماً: وأمَّا الوجه الآخر لإبطال الشّبهة، فيظهر في بيان الحِكَمِ والأسرار في تنجيم القرآن الكريم، وهذا ما سيكون في اللّقاء المقبل بإذن االه تعالى.