لَقَد قسَّم الأصوليون الحكم الشّرعيّ إلى أقسام متعددة، باعتبارات متعدِّدة، فقسّموه باعتبار كونه متعلّقاً بفعل المكلّف، أو بجعل الشّيء سبباً وغيره، إلى قسمين : الحكم الشّرعيّ التّكليفيّ، والحكم الشّرعيّ والوضعيّ.
وقسموه باعتبار إيقاع العبادة في الوقت المضروب لها أو بعده إلى أداء وقضاء .
وباعتبار المأمور به إلى معين ومخير .
وباعتبار وقته إلى مضيق وموسع .
وباعتبار المأمور إلى واجب على التعيين، وواجب على الكفاية.
وباعتبار كونه على وفق الدليل أو خلافه إلى رخصة وعزيمة.
وسنتكلم على هذه التقسيمات باعتباراتها المختلفة، حسبما يقتضيه المقام .
الحكم التكليفي والوضعي
هذا التقسيم الأول للحكم، وقد قسمه الأصوليون باعتبار كونه متعلقاً بفعل المكلف، أو بجعل الشئ سبباً أو غيره إلى قسمين :
أ- الحكم الشرعي التكليفي :
وهو الذي أشرنا إليه في التعريف بـ ( الاقتضاء أو التخيير ).
وهو يشمل الأحكام الخمسة :
- الإيجاب.
- الندب.
- الكراهة
- التحريم.
- الإباحة.
ب- الحكم الشرعي الوضعي:
وهو الذي ا شرنا إليه في التعريف بـ ( الوضع ).
وهو يشمل الأحكام الخمسة أيضا .
- السبب.
- الشرط.
- المانع.
- الصحيح.
- الفاسد.
وسنتكلم أولا على الحكم الشرعي التكليفي، ومتعلقاته، وبعد ذلك نتكلم على الحكم الشرعي الوضعي .
أولا : الحكم الشرعي التكليفي
هو خطاب الله المتعلق بفعل المكلف على جهة الاقتضاء ، أو التخيير،(5) وهو شامل للأحكام التكليفية الخمسة .
1- الإيجاب : وهو ما اقتضاه خطاب الله تعالى من المكلف اقتضاء جازما ، ولم يجوز تركه .
كالأمر بالصلوات المفروضة، والزكاة، والحج، وغير ذلك.
2- الندب: وهو ما اقتضاه خطاب الله تعالى من المكلف، اقتضاء غير جازم، بأن جوز تركه.
كالأمر بصلاة الليل، والضحى، وصدقة التطوع، وإفشاء السلام.
3- الكراهة : وهي ما اقتضى خطاب الله تعالى من المكلف تركه ، اقتضاء غير جازم ، بأن جوز فعله .
كالنهي عن الشرب قائما ، وعن الجلوس في المسجد قبل صلاة ركعتي التحية ، وعن الصلاة في معاطن الإبل .
4- التحريم: وهو ما اقتضى خطاب الله تعالى من المكلف تركه اقتضاء جازما، بأن منع من فعله، ولم يجوزه.
كالنهي عن الزنا ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والغيبة ، والنميمة .
5- الإباحة: وهي ما كان الخطاب فيها غير مقتض شيئا من الفعل والترك، بل خير المكلف بينهما.
كالطعام والشراب في غير حالة الضرورة ، في قوله تعالى : ]كلوا واشربوا (.
ولما كان خطاب الله تعالى متعلقا بفعل المكلف، وصف فعله بمتعلقات هذه الأحكام.
فالذي تعلق به الإيجاب هو الواجب.
والذي تعلق به الندب هو المندوب.
والذي تعلق به الكراهة هو المكروه .
والذي تعلق به التحريم هو الحرام.
والذي تعلقت به الإباحة هو المباح.
فالواجب: هو الفعل الذي يذم شرعاً تاركه قصداً، أو هو الذي يثاب فاعله ويعاقب تاركه قصداً، قيد يخرج به ما يتركه النائم، والساهي، والمكره، فإنه وإن ترك ما يذم بتركه ويعاقب عليه، إلا أنه لم يقصد تركه.
والمندوب: هو الفعل الذي يحمد فاعله، ولا يذم تاركه. أو هو الذي يثاب فاعله، ولا يعاقب تاركه .
والحرام: هو الفعل الذي يذم شرعاً فاعله قصداً. أو هو الذي يعاقب فاعله، ويثاب تاركه .
والمكروه: هو الفعل الذي يمدح تاركه، ولا يذم فاعله. أو هو الذي يثاب تاركه، ولا يعاقب فاعله .
والمباح: هو الفعل الذي لا يتعلق بفعله، مدح، ولا ذم. أو هو الذي لا يثاب فاعله، ولا يعاقب تاركه.
والفرض والواجب عند الجمهور ـ وهم المتكلمون ـ مترادفان. وفرق الفقهاء ـ وهم الحنفية ـ بينهما، قالوا:
الفرض: هو ما ثبت بدليل قطعي، كالقرآن، والسنة المتواترة. وذلك كقراءة القرآن في الصلاة، الثابتة بقوله تعالى : ) فاقرؤا ما تيسر من القرآن ( .
وسموه بالفرض الاعتقادي، أي الذي يجب على المكلف أن يعتقده . ورتبوا على جحوده الكفر والردة .
والواجب: هو ما ثبت بدليل ظني، كخبر الواحد، والقياس. وذلك كقراءة سورة الفاتحة بخصوصها في الصلاة، الثابتة بحديث الصحيحين، ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) . وسواء في ذلك ظني الثبوت، وظني الدلالة . ورتبوا على تركه الإثم والفسق، لا الكفر والردة.
والحرام، والمكروه كراهة تحريم ـ فيما لو استعمل ـ مترادفان عند الجمهور . وفرق الحنفية بينهما، فقالوا :
الحرام: هو ما ثبت النهي عنه بدليل قطعي من القرآن والسنة المتواترة.
والمكروه تحريماً: هو ما ثبت النهي عنه بدليل ظني، كخبر الواحد، والقياس.
ورتبوا عليهما ما رتبوه على الفرض والواجب من الكفر، أو الفسق والمعصية.
فالأحكام التكليفية عندهم سبعة :
- الفرض.
- الواجب.
- المندوب.
- المكروه كراهة تنزيه .
- الحرام.
- المكروه كراهة تحريم .
- المباح.
وهم رغم هذا التقسيم لا يختلفون مع الجمهور في النتائج، لأن الجمهور أيضا يميزون بين الفرائض، فمنها ما يكفر جاحده، مما ثبت بدليل قطعي، من الكتاب، أو السنة المتواترة، أو كان معلوماً من الدين بالضرورة، أو غير ذلك من الأمور المعروفة في كتب الفقه .
ومنها ما يترتب عليه الفسق والمعصية لا غير، وهو ما ثبت بدليل ظني، كخبر الواحد، والقياس، وغير ذلك.
إلا أن الجمهور لم يفرقوا بينهما لمآخذ لغوية.
فالنتيجة واحدة، والخلاف في الاصطلاح فقط، وهو خلاف لغوي .
والمندوب، والمستحب، والتطوع، والسنة، والنافلة، مترادفة أيضا.
وهي : الفعل المطلوب طلباً غير جازم.
بتصرف يسير عن الوجيز في أصول التشريع الإسلامي، للشيخ الدكتور: محمد حسن هيتو.