1 – واجب تعاهد القرآن واستذكاره
يقول الله تعالى: ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)
هذا البيان القرآني، يحمل بين طياته كلماتٍ جديرةً بأن توحي لهذه الأمة بكرامتها على الله تعالى؛ كما توحي إليها بضخامة التَّبعة والمسؤوليّة النَّاشئة عن هذا الاصطفاء، وعن تلكم الوراثة . وهي تبعة ضخمة ذات تكاليف، فهل تسمع الأمة المصطفاة وتستجيب؟
وفي ظلال هذا التساؤل سنقف في كل لقاء مع واجب من واجباتنا الملقاة على عاتق وكاهل كل مسلم نحو القرآن الكريم، وأوَّلها:
أولاً: تعاهد القرآن واستذكاره:
فمن أهم حقوق القرآن علينا تعاهده واستذكاره خوفاً من ضياعه ونسيانه؛ وقد حثَّ الرسول صلى الله عليه وسلم على تعاهد القرآن الكريم، وضرب لذلك مثلاً رائعاً، فعَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنْ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا). أخرجه مسلم، وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ). أخرجه البخاري. قال الحافظ ابن حجر في الفتح في شرحه لهذا الحديث: “وَخَصَّ الْإِبِلَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَشَدُّ الْحَيَوَانِ الْإِنْسِيِّ نُفُورًا، وَفِي تَحْصِيلِهَا بَعْدَ اسْتِمْكَانِ نُفُورِهَا صُعُوبَةٌ. ا.ه
وقال ابن عبد البر في الاستذكار: ” في هذا الحديث الحض على درس القرآن وتعاهده والمواظبة على تلاوته والتحذير من نسيانه بعد حفظه”
لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم شديد العناية بحفظ القرآن، وحريصا على تلقفه من جبريل عليه السلام؛ حتى بلغ من شدة عنايته به، وحرصه عليه أنه كان يحرك به لسانه أكثر من المعتاد عند قراءته، خشية أن تفلت منه كلمة، أو يعزب عنه حرف حتى طمأنه ربه، ووعده أن يحفظه له في صدره، وأن يُقرِأَهُ لفظه، وأن يفهمه معناه وتفسيره. فأنزل عز شأنه قوله: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ} [القيامة: 16- 19].
فينبغي على كل مسلم أن يجعل له وردا ثابتاً كل يوم من القرآن؛ فكما أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بدون طعام أو شراب؛ فكذلك لابد له من غذاءٍ روحي يومي ألا وهو القرآن.