لقد عني المسلمون عناية فائقة بأحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسننه، وأيامه، ومغازيه، وقبل أن تدوّن الأحاديث تدويناً عاماً في آخر القرن الأول الهجري، كانت مقيدة في الحوافظ، مدوّنة في الصدور عند جمهرة الصحابة، والتابعين، وكان القارئون الكاتبون منهم يدونون منها ما استطاعوا من لدن النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى عهد التدوين، ومن ذلك ما يتعلق بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومغازيه.
السّيرة جزء من الحديث:
– شغلت السّيرة النّبويّة حيِّزاً غير قليل من الأحاديث، والّذين ألَّفوا في الأحاديث لم تخل كتبهم غالباً عن ذكر ما يتعلق بحياة النبي صلى الله عليه وسلم ومغازيه، وخصائصه، ومناقبه، ومناقب صحابته، وقد استمر هذا المنهج حتى بعد انفصال السيرة عن الحديث في التأليف، وجعلها علماً مستقلاً، وأقدم كتاب وصل إلينا في الأحاديث، وهو «موطأ» الإمام مالك رحمه الله تعالى (المتوفى 179) ، لم يخل من ذكر جملة من الأحاديث فيما يتعلق بسيرة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأوصافه، وأسمائه، وذكر ما يتعلق بالجهاد.
وصحيح الإمام أبي عبد الله البخاري (المتوفى 256) ذكر فيه قطعة كبيرة مما يتعلق بحياة النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل البعثة وبعدها، كما ذكر كتاب «المغازي» وما يتعلق بخصائصه وفضائله عليه الصلاة والسلام، وفضائل أصحابه ومناقبهم، وذلك كله لا يقل عن عشر الكتاب «1» ، وكذلك صحيح الإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج (المتوفى 261) اشتمل على جزء كبير من سيرة النبي، وفضائله، وفضائل أصحابه، والجهاد والسير «2» .
وكذلك صنع الإمام أحمد (المتوفى 241) في مسنده الكبير، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه، لم تخل كتبهم من كتاب الجهاد، وذكر طرف مما يتعلق بالسير، وهذا يدل على الصلة الوثيقة بين الأحاديث والسير، فهي جزء منها، وسنرى في اللقاء المقبل أنّ كتباً ألفّت في السّير على سبيل الاستقلال، والحمد لله ربّ العالمين.
____
(1) صحيح مسلم بشرح النووي، ج 12، 13، 15، 16.
(2) صحيح البخاري: كتاب الجهاد، وكتاب المغازي، وكتاب الفضائل، وأبواب المناقب.