من المفاخر العظيمة للأمة الإسلامية أن الله تعالى حَفِظَ كتابها من بين الكتب السوالف، وصان بجانبه السُّنة المطهرة وحَفِظَها من الضياع والعبث والكذب والتحريف، والسؤال هنا: ما هي أسباب حفظ السُّنة؟ ولماذا حُفِظَتْ السُّنة؟ وإلى متى ستُحفظ؟ وماذا يترتب على عدم حفظها؟ وما هي فوائد حفظها؟
– والدواب: هناك أسباب كثيرة – هيأها الله تعالى أدَّت بمجموعها إلى حفظ السُّنة، وسنذكر في لقاء سبباً مهمّاً، وأولها:السُّنة من الذِّكر الذي تكفَّل الله بحفظه:
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]. والذِّكر: اسمٌ واقِعٌ على كلِّ ما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم من قرآن، أو من سنةِ وحيٍّ يُبيِّن بها القرآن، وعلى هذا فالوحي المُنزَّل ينقسم إلى قسمين:
الأول: وحي متلو معجز، وهو القرآن.
الثاني: وحي مَروِيٌّ منقول ليس بمعجز، ولا متلو، لكنه مقروء، وهو السُّنة.
والوحي بلا خلاف ذِكر، والذِّكر محفوظ، فسُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم إذاً محفوظة بحفظ الله تعالى لا يضيع منها شيء.
قال ابن حزم – رحمه الله – مؤكِّداً على أن السُّنة من الذِّكر الذي تكفَّل الله تعالى بحفظه: (صحَّ أنَّ كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كلَّه في الدِّين وحي من عند الله عز وجل، لا شك في ذلك، ولا خلاف بين أحدٍ من أهل اللغة والشريعة في: أنَّ كلَّ وحيٍّ نَزَلَ من عند الله تعالى فهو ذِكْرٌ مُنزَّل، فالوحي كلُّه محفوظ بحفظ الله تعالى له، وكلُّ ما تكفَّل الله بحفظه فمضمونٌ ألاَّ يضيع منه، وألاَّ يُحرَّفَ منه شيء أبداً… ولا سبيل البتة إلى ضياع شيء قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين… ولو جاز ذلك لكان الذِّكر غير محفوظ، ولكان قول الله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]. كَذِباً ووعداً مُخْلَفاً، وهذا لا يقوله مسلم.
فإن قال قائل: إنما عَنَى الله تعالى بذلك القرآنَ وحده، فهو الذي ضَمِنَ تعالى حِفظَه، لا سائر الوحي الذي ليس قرآناً!
قلنا له: هذه دعوى كاذبة مُجرَّدة من البرهان، وتخصيصٌ للذِّكر بلا دليل، ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 111].